محمد باقر الصدر.. رائد التغيير الفكري والفقهي والسياسي والحركي
مجلة تحليلات العصر الدولية - وليد الحلي
تميز فكر المرجع والعالم والمؤسس السيد الشهيد محمد باقر الصدر بالأصالة والعمق الفكري والتنوع الثقافي وأهتم بالفكر ألتغييري للأمة.
دأب على استنباط المفاهيم القرآنية الموجهة للفكر الاسلامي السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره بشكل يؤكد على ترابطها وتكاملها متجنبا التسريع في الاستنتاج والنظرة التجزيئية لها.
طارحا عدة نظريات إسلامية تميزت بعمق متبنياتها و بمنهجيتها الجديدة ومنها:
1- نظريته الفلسفية الإسلامية التي ربط فيها بين العقل والدين والغيب الذي يتطلبه الدين، وان الغيب يتجاوز العقل مهما كانت مفاهيمه وتصوراته.
2- نظريته الاقتصادية الإسلامية التي اعتمدت على إن مرجعيتها هو الله، والإنسان بذهنيته وقيّمه وتطلعاته، وهي نظرية كلية وشمولية غير متجزئة، ولذلك فان الملكية في الإسلام ليست للمجتمع وحده كما في النظام الاشتراكي ولا للفرد وحده كما في النظام الرأسمالي وإنما يشترك فيها الفرد والمجتمع معا ضمن نطاق الرؤية الإسلامية الشمولية لقيم العدل.
3- نظريته الاجتماعية- السياسية حيث طرح تفسيرا متكاملا للكون والمجتمع والإنسان والتاريخ. انه لا ينكر تدخل الظروف الاجتماعية في التأثير على الإنسان والفكر الاجتماعي لكن الإنسان هو العنصر الأساس في أي عملية تغيير وليست وسائل الإنتاج أو نوع الملكية التي تغيره، وإن الإسلام يربط مبدأ الحرية بحدود القيم التي تحافظ على سلامة المسيرة البشرية.
4- نظريته المالية للبنك اللاربوي: تعتمد على تأسيس بنك يعمل دون ربا ضمن مواصفات ربحية وتجارية لا تخالف المعاملات المالية في البنوك.
5- نظريته الاستقرائية لإثبات وجود الله: استخدم منهج الدليل الاستقرائي أو العلمي للاستدلال على وجود الله من خلال البراهين التي قدمها في ضرورة الدين الذي فسّر البعث بعد الموت من جديد.
6- نظريته التغييرية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ- الرعد :11) تعتمد على شمولية التغيير الذي يشمل الانسان والمجتمع والسلطة عبر تغيير الانسان ليحمل القيم والمبادئ والسلوك الطيب ليقود مسيرة الإصلاح في المجتمع من خلال توفر المواصفات الآتية:
ألف- التربية العبادية لله في التعامل مع الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية إضافة إلى إقامة الصلوات والصيام والعبادات الأخرى، ويؤكد السيد الصدر على ان السياسة عبادة والعبادة سياسة ما دامت في طاعة الله.
باء- الإنسانية: توعية الإنسان على الأفكار والأطروحات والنظريات من دون إغفال الدور الرباني، فالخالق خلق الإنسان وكرمه وأحسن خلقه ووهبه العقل الذي ميزه عن بقية المخلوقات، وأَهّلَ الإنسان لكل الرعاية والاهتمام والقيادة للسير به على الطريق الذي يمكنه للعيش بسلام وتعاون وتآخي في الدنيا والحصول على رضوان الله ونيل الجنة في الآخرة.
جيم- القيّمية الأخلاقية: التي تلتزم بالدين الإسلامي كدين ودولة، ودين ودنيا. ضرورة التعامل بالقيم الأخلاقية في القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والعقائدية والفقهية وغيرها.
7- نظريته الحركية: التي تمتاز بتبني الجوانب الموضوعية والحركية والثورية في التعامل مع الأحداث، والمستلهمة من القرآن الكريم وسيرة الرسول محمد (ص) والأئمة (ع). هذه النظرية تهتم بتغيير التعامل مع الواقع بأكمله وبشكل عملي وليس نظري فحسب، ويعتمد في ديمومته واستمراره على الدعم الرباني.
مشاريع السيد الشهيد الصدر التي نفذت وأنجزت مهامها:
اولا: سقوط البعث وطغاته: تصدى لتحريم حزب البعث، وجواز التصدي بكل الطرق لإسقاطه وطغاته، فسقط في 9 نيسان 2003.
ثانيا: أسس حزب الدعوة الإسلامية عام 1957 مع الدعاة العلماء والرساليين حيث تصدى الحزب لتوعية الامة والوقوف بوجه الظلم والجور الذي لحق بهم من قبل السلطة الغاشمة، وكان تأثيره كبيرا في تغيير معادلات الصراع مع الطاغوت.
3- اشترك مع كبار مراجع الدين والعلماء في تأسيس جماعة العلماء عام 1959 التي تصدت للفكر المنحرف والدفاع عن الإسلام.
4- أطروحة دراسية جديدة لإعداد طلبة العلوم الدينية في الحوزات العلمية من خلال تغيير مناهج الدروس فيها، وتتلمذ على يده العشرات من طلبة العلوم الدينية بوعي متميز.
5- عمل على دعم توحيد الصفوف والابتعاد عن الطائفية والعنصرية.
6- طرح العديد من الكتب المهمة التي أحدثت تغييرا كبيرا في طريقة فهم النظرية الإسلامية في الاقتصاد ( كتاب اقتصادنا) والفلسفة (فلسفتنا) والتاريخ والسيرة النبوية وسيرة أئمة أهل البيت والعديدة من الموضوعات الإسلامية المتنوعة.
7- عمل على توعية الأمة بمهامها وضرورة تصديها للظلم والجور، وتبنى نظريات السيد الصدر الآلاف من العلماء والأساتذة والطلبة والمثقفين من الشباب في الوطن الإسلامي.
8- نجح في كسر حاجز الخوف من العمل الإسلامي السّياسي، واحتضن العاملين الإسلاميين للنهوض بالواقع والتصدي للديكتاتورية.
مشاريعه الأخرى:
1- توحيد صفوف الأمة الإسلامية ورصها وخاصة في وقت التحديات والأزمات.
2- تحقيق العدالة وحقوق الانسان.
3- طرحه لمشروع جمع المرجعيات الدينية في العالم لتأسيس مؤسسة المرجعية الدينية الموضوعية الرشيدة و الصالحة، لتكون مصدر قوة في توجيه الرأي في التحديات الداخلية والخارجية التي تجابه الأمة في الجوانب الفكرية والعقائدية الدينية والسياسية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية والاستقرائية والمالية والتاريخية وغيرها من الجوانب.
بنعم الله وبركاته تم التخلص من الطاغوت وحزبه، وتمكن الشعب العراقي من التخلص من الفتنة الطائفية التي كادت أن تعصف به نتيجة أرهاب بقايا النظام السابق والتكفيريين، وتم الانتصار على الإجرام والإرهاب والخرافات الداعشية والقاعدية.
في الذكرى (41) لاستشهاده مع أخته العالمة بنت الهدى نستذكر إنذاره لحزب البعث وطاغيته عند قرارهم بإعدامه في 9 نيسان عام 1980 معلنا: (إن دمي يكلفكم نظامكم)، واعدا ان لا مكان في العراق لحكام الجور والظلم من البعثيين وأشباههم بإذن الله، وان الأمة الواعية هي المنتصرة بعون الله وتوفيقه، قائلا: (ولكنّ الجماهير دائماً هي أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة، وقد تصبر ولكنّها لا تستسلم).