معاني ودلالات إحتفال اليمنيين بذكرى المولد النبوي الشريف
محمد علي الحريشي
اليمن
العصر-تحتفل اليمن يوم غد (الأربعاء) بذكرى مناسبة عظيمة وحدث تاريخي كبير غير مجرى الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية في شبه الجزيرة العربية والعالم وهي ذكرى المولد النبوي الشريف لرسول الرحمة محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، لقد حافظ اليمنيون جيلاً بعد جيل منذ مئات السنين على إحياء ذكرى المولد النبوي بمظاهر احتفالات دينية جمعت بين روح العقيدة الدينية الإسلامية المغروسة في نفوس ومشاعر اليمنيين وبين ماتوارثه اليمنيون من عادات وتقاليد حميدة مثل الكرم والإحسان وروح العمل الجماعي في إظهار مشاعر الحفاوة والمحبة والمعزة لرسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، انعكست تلك المحبة في مظاهر احتفالات وطقوس تميز بها اليمنيون تتجلى فيها المحبة الخالصة والإرتباط برسول الله وهدي رسالة الإسلام الخالدة، ذلك الإرتباط الوثيق الممتد إلى عصور ماقبل الإسلام كما تحكي كتب التاريخ عن وصول الملك الحميري اليمني/التبع أسعد الكامل مع فخذين من قبيلة الأزد اليمانية إلى يثرب (المدينة المنورة) وهما الأوس والخزرج الذين سكنوا يثرب انتظاراً لمولد النبي الخاتم ليكونوا من أنصاره وجنده الذين آووه ونصروه وازروه، هذا الذي حدث عندما هاجت عليه قريش وقبائل وسط الحزيرة العربية والذين تشابكت اياديهم ومصالحهم مع اليهود للقضاء على نور النبوة ومصباح الظلام محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، تجسدت محبة اليمنيين لرسول الله عندما حل في وسطهم بيثرب بعد ان طاردته قريش وتآمرت عليه، لم تصدح حنجرة الرسول محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام بأحاديث « إني لأجد نفس الرحمن من اليمن» و «جاءكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الايمان يمان والحكمة يمانية» وغيرها من الأحاديث الصحيحة المتواترة في المصادر المعتبرة لم يصدح بها النبي عبثاً ولاترفاً بل هو الإستقراء النبوي المؤيد بالوحي الإلاهي لنفسية ومشاعر أبناء اليمن الذين سوف يكون لهم مواقف معتبرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيلاً بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها في نفس الوقت الذي تنتهك قدسية وطهر رسول الله على أيادي شذاذ الآفاق، من القرن الثالث الهجري إنتشر في اليمن مذهبان من مذاهب الفقه الإسلامي وهما المذهب الهادوي الزيدي والمذهب الشافعي وهما المذهبان اللذان حافظا على خصوصية ثقافية تميز بها اليمن حافظ من خلالها على هويته
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
الدينية والثقافية، مع بداية ظهور التيارات الضالة مثل التيار الوهابي الذي ارتبط ظهوره في وسط الجزيرة العربية منتصف القرن الثامن عشر الميلادي مع الحركة الاستعمارية الإنجليزية الماسونية، حاول أتباع التيار الوهابي نشر ضلالاتهم وأفكارهم المسمومة في بلاد اليمن خاصة من اربعينيات القرن العشرين الميلادي الماضي، من صميم الفكر الوهابي الضال تحريم وتجريم الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، اعتبروا ذلك من البدع والشركيات والضلال المبين، انتشرت سموم الفكر والتيار الوهابي في اليمن على مدى ثمانين سنة تغلغل التيار الوهابي في مفاصل الدولة اليمنية خاصة من منتصف عقد الستينات من القرن العشرين وفي مناهج التعليم وعبر المنح الجامعية لآلاف المبتعثين اليمنيين الذين تحولوا إلى منظرين وشيوخ ضلال رسالتهم الأولى مسح وازالة المذهبين الزيدي والشافعي من اليمن وطمس الهوية الدينية والوطنية لأبناء اليمن واستبدالهما بهوية مسخ سلفية داعشية نشرت سمومها بين اليمنيين عبر تمركز إداري منظم في قمة هرم الدولة اليمنية الذين ارتبطوا بمخابرات الراعية الأولى للتيار الوهابي كما إنتشر التيار الوهابي في اليمن عبر الآف المعاهد الدينية الوهابية وعبر جامعات ومراكز وهابية سلفية حتى كاد اليمن ان ينسلخ عن هويته ومرتكزاته الدينية والثقافية، اختفى مايسمى بالإحتفال بالمولد النبوي من عموم اليمن اللهم من بقايا طقوس محدودة تمارس في قلة قليلة من مساجد صنعاء القديمة ومساجد محدودة في ذمار وزبيد وصعدة لاتستمر غير نصف ساعة مابين المغرب والعشاء ليلة المولد يحضرها كبار السن اصبحت طقوس مكررة حتى انهم كانوا يجلبون لها شيوخ من خارج اليمن يقدمون مواعظ تذكر جزىء يسير جداً من حياة النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام تركز على نقاط سطحية مثل شق صدر الرسول واستخراج قلبه وتنظيفه من مفاسد الدنيا ومثل مرضعته حليمة وغيرها من الطقوس الجامدة كإسطوانات تكرر نفس الموال عام بعد آخر،
لكن بعد ثورة اليمن في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 2014 التي كان من أهم أهدافها العودة باليمن إلى هويته وثقافته وإنقاذه من طوفان المد الوهابي، فكان العودة إلى ماتعود عليه اليمنيون من نبع العقيدة الإسلامية الصافية وانقاذ اليمن من الغرق الوشيك في متاهات التيار الوهابي، وشيئا فشيئا عاد اليمنيون بشغف وشوق ولهفة إلى حضرة رسول الله بزخم جماهيري متزايد عام بعد عام ومظاهر حفاوة وابهة ادخلت عناصر جديدة في مظاهر الإحتفال بالمولد النبوي مثل تزيين المنازل والمحلات التجارية والمراكز الحكومية والشوارع بالاضواء الخضراء والقماشات الخضراءوالريات الخضراء التي إنتشرت وغطت كل مدن وقرى اليمن ومثل إقامة المهرجانات وتجهيز الميادين والساحات وغيرها من مظاهر الفرح والبهجة بذكرى مولد رسول الله، لم تقتصرأنماط الإحتفالات على تلك المظاهر بل إمتدت على مساحة واسعة في جوانب التثقيف والوعي والتربية والتراحم ونشر قيم المحبة والإحسان وحل المشاكل الإجتماعية والقضايا الإجتماعية العالقة وإنهاء قضايا الثأر وعمل حملات لإخراج المساجين من السجون ودفع الديات والغرامات على الفقراء والمعسرين وغيرها من الأنماط السلوكية الحميدة التي تهدف في النهاية إلى العودة بالشعب اليمني إلى منابع الدين الإسلامي الصحيح كما جاء به محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله، وتحرير النفوس المؤمنة من واقع الذل والإتهان والتبعية والتقليد الأعمى لثقافة الغرب المتحلل من القيم والأخلاق والمنسلخ عن الإنسانية والمتشبع بالجشع الرأس مالي والمنغمس في وحل الإنحلال الأخلاقي والفساد الذي يتعاظم يوماً بعد يوم حتى وصل إلى مراحل زواج المثلية وتغيير خلق الله والعيش في غابة من الفساد والتفسخ ونشر الرذيلة وصولاً إلى إنتهاك المقدسات والحرمات وإحتلال الأراضي واستغلال المقدرات وتفتيت
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
المجتمعات وزرع الخلافات والحروب بينها، من هنا أصبح الإحتفال بذكرى المولد النبوي في اليمن برنامجاً نهضوياً يعيد بالأمة الإسلامية إلى جذور ومنابع دينها وهويتها ويحميها من مخططات الأعداء وحروبهم الناعمة والخبيثة التي تستهدف فصل الأمة الإسلامية عن دينها وهويتها وثقافتها وتاريخها وتحويلها إلى جزر متناثرة مفككة لاتربطها رابطة، من هنا فالإحتفال بذكرى المولد النبوي هو نهج أصيل وهدف سامي من أهداف الثورة اليمنية ضد الهيمنة والفساد والتبعية وهو نسخة أصيلة مستوحاه من الثقافة والتاريخ اليمني وليست نسخة منقحة من تجارب الآخرين، غداً سوف يرى العالم أجمع كيف سيحيى اليمنيون الإحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، سوف يرى العالم ويشاهد الأمواج البشرية التي سوف تملأ الميادين والساحات في كل محافظات اليمن المحررة من دنس الاحتلال والخونة الأمواج البشرية التي يجمعها حب رسول الله ويجمعها الإلتفاف حول قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي يحفظه الله الذي سوف يوجه خطاباً سياسياً هاماً
موجه للداخل والخارج خطاباً يتناغم مع مستجدات المرحلة السياسية والعسكرية الراهنة التي فرضها اليمن على المحيط الإقليمي والدولي، خطاباً يحدد منطلقات المرحلة القادمة ومستجدات وضع نهاية لمرحلة العدوان العسكري والإقتصادي على اليمن، ولهذا نامل من الجميع خاصة إخوتنا في دول وقوى ومحور المقاومة متابعة اللوحة التي سوف يرسمها اليمنيون يوم غد (الأربعاء) وقراءة ماتحتويه قراءة جيدة، وبذلك يفرح قوم مؤمنين عاشت فلسطين حرة ابية، لبيك يارسول الله.