أحدث الأخبارسورياشؤون امريكيةفلسطينلبنان

من «تيفن» إلى «معالوت»: جيش إسرائيل… تَعدّدت الخطط الخمسية والفشل واحد

*علي حيدر*

العصر-عشيّة انتهاء موعد «تنوفا»، عُيّن هرتسي هليفي رئيساً لأركان الجيش (من الويب)

قد يكون إجراء قيادة جيش العدو ورشاً تهدف إلى صياغة خطط متعدّدة السنوات، أمراً تقليدياً في بعض أبعاده، إلّا أن القيام بهذه المهمة في ظلّ تحوّلات جوهرية طرأت على البيئات الاستراتيجية والعملياتية والداخلية على السواء، يحمّلها دلالات أبعد وأعمق. هذا ما ينطبق على إعلان الجيش الإسرائيلي، قبل أيام، عن ورشة لصياغة خطّة «معالوت» المتعدّدة السنوات، برئاسة رئيس الأركان هرتسي هليفي، وقيادة قسم التخطيط وبناء القوة المتعددة الأذرع، وبمشاركة أعضاء منتدى هيئة الأركان ومسؤولين كبار آخرين. وتتمحور الورشة، بحسب الناطق باسم الجيش، حول القضايا الرئيسة المرتبطة ببناء قوّة هذا الأخير وتفعيلها للسنوات الخمس أو العشر المقبلة، بما يشمل الردّ على التهديد الإيراني والتحدّي متعدّد الساحات، وإمكانات الأسلحة الدقيقة، وحماية الحدود، وتعزيز القوة في الفضاء، واستخدام التقنيات المتقدمة في ساحة المعركة والقوى البشرية. وتستمرّ هذه الورشة حتى نهاية الشهر الجاري، حيث سيقدّم رئيس أركان جيش العدو ملخّصاً حول التوجّهات الرئيسة لـ«خطّة معالوت»، والتي سيتمّ عرضها على المستوى السياسي في الكيان، على أن يبدأ تنفيذها العام المقبل.

وفي انتظار تلك الخلاصات، أو ما سيعلَن منها على الأقلّ، يَجدر القيام بإطلالة على الخطط السابقة وعلاقتها بالتحوّلات التي واكبتها، وصولاً إلى المتغيّرات القائمة التي تَحضر في خلفية «معالوت». وتبدو نقطة الانطلاق في هذا المسار، حرب عام 2006، التي أحدثت تحوّلات مفصلية في البيئتَين الاستراتيجية والعملياتية، وفرضت بذلك على جيش العدو إعادة بلورة مفاهيمه، بالاستناد إلى نتائج تلك الحرب، لتتحوّل مقولة «تغيّر التهديد وتغيّر العدو»، مذّاك، إلى عنوان بارز في الساحة الإسرائيلية. في ضوء ذلك، أُعلنت، في حينه، خطّة «تيفن 2008 – 2012»، التي عرضت اتّجاهات مركزية للأعوام العشرة المقبلة، في ميادين تعظيم قوة أذرع الجيش وتشكيلات القوات وتحسين القدرات، استعداداً لمواجهة محتملة في الدائرة القريبة أو حتى الثانية أو الثالثة (إيران)، «إذا ما اقتضى الأمر». وعلى خطّ موازٍ، كان «حزب الله» ينجح في مراكمة وتطوير قدراته العسكرية والصاروخية، ليتمكّن من احتواء مفاعيل التطوّر الإسرائيلي، ويرسي معادلة ردع استمرّت وتطوّرت حتى هذا اليوم.

عشية انتهاء موعد «تيفن 2008 – 2012»، عمد رئيس أركان الجيش اللاحق، بني غانتس، إلى بلورة خطة بديلة، أطلق عليها اسم «حلميش». لكن اندلاع الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل في تلك الفترة، على خلفيات اقتصادية، فرض على القيادتين السياسية والأمنية تجميد الخطة. جرى ذلك بالتزامن مع تصاعد الأحداث في العالم العربي وسقوط النظام المصري واحتدام الحرب السورية، وتصدّر البرنامج النووي الإيراني المشهد الإقليمي في وقت كانت تلوّح فيه إسرائيل باستهدافه. وكما هو حال «حلميش»، انتهى أمر خطّة «عوز» البديلة إلى التجميد. بعد مضيّ نحو ثلاث سنوات، بقي خلالها الجيش من دون خطّة خمسية، بادر رئيس الأركان، غادي آيزنكوت، إلى بلورة واحدة جديدة حملت اسم «غدعون 2015 – 2019»، وذلك في ضوء التحوّلات الجذرية التي استجدّت في البيئة الإقليمية، وأبرزها التراجع في خطورة التهديد «الدولتي» (بعد أحداث العراق وسوريا)، في مقابل تنامي منظمات «لادولتية» تشكّل تهديداً متصاعداً وتحمل ميزات جديدة، في ما مثّل أبرزَ وجوهه استمرار تعاظم «حزب الله» على الجبهة الشمالية، وتصاعد التهديدات الناجمة عن الصواريخ متوسّطة وبعيدة المدى، والأسلحة تحت الأرضية (الأنفاق). أيضاً، شكّل المتغيّر الأهمّ الذي رافق الإعلان عن «غدعون»، توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، الأمر الذي أفسح المجال للجيش لتحويل قسم مهمّ من ميزانية التصدّي للبرنامج النووي الإيراني، لصالح مواجهة التهديدات المتصاعدة في محيط إسرائيل المباشر. ومع هذا، فقد حضر الحدث الاجتماعي – الاقتصادي، في حينه، كعامل مُصمِّم لخطّة الجيش، إلى جانب مطلب الحفاظ على مستوى عالٍ من الكفاءة العملياتية.

لكن تقويم نتائج «غدعون» لا يستقيم من دون النظر إلى خطّة رئيس الأركان اللاحق، أفيف كوخافي، التي سمّيت «تنوفا/ الزخم 2019 – 2023»، والتي كان عليها مواءمة المستجدّات في البيئتَين الاستراتيجية والعملياتية لإسرائيل، وعلى رأسها خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وبدء إيران التخفّف من القيود التي يفرضها الاتفاق، وعودة التهديد النووي إلى التصاعد، وتكرّس فشل مساعي إسقاط النظام السوري، وما تبلور، في ضوء ذلك، من خطر جديد أطلقت عليه إسرائيل عنوان «تمركز إيران وحلفائها في سوريا»، وعدّته تهديداً داهماً ينبغي عدم السماح له بالتطوّر. اللافت أن كوخافي، وفي أوّل جلسة له مع هيئة أركان الجيش في شباط 2019، أشار، في خلاصة تُجلّي ما آلت إليه «غدعون» وغيرها من الخطط، إلى أن الرسم البياني يؤشّر إلى تقلّص الهوّة النوعية بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» و«حماس»، مشدداً على ضرورة أن يبادر الأول إلى خطوات عملية من أجل إعادة توسيع الهوة قبل فوات الأوان. ومن هنا، دعا إلى تغيير بنية الجيش ورؤيته القتالية، في مواجهة «الحروب اللاتماثلية» مع المنظمات المذكورة، محاولاً تعويض تعذّر الحسم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى