ناصر قنديل
– جرّب الأميركيون الحروب كطريقة لإعادة تشكيل السلطات في العراق وأفغانستان، فقتلوا القيادات وحلّوا الجيوش والأجهزة الأمنية، واحتلوا البلاد وفرضوا حكاماً عليها بقوة الاحتلال، واكتشفوا سرعة تفكك ما قاموا ببنائه، وأكلافه العالية، وتحلل المجتمعات وولادة أعباء من نوع جديد تفوق قدرة الإدارات الأميركية على تولي إدارتها، وجرب الأميركيون بعدها ما سُمّي بالحروب الناعمة وما تتضمنه من ثورات وفتن وحروب أهلية، ولم تكن النتيجة مختلفة، بين فشل في تحقيق الأهداف وانقلاب الأوضاع إلى عكس الأهداف كحال سورية، او استيلاد أزمات ومحن وفتن وفوضى تصعب إدارة تداعياتها، كحال ليبيا، وهم اليوم، يتخذون لبنان نموذجاً لاختبار بديل جديد، بمثل ما كانت سورية نموذج اختبار الحرب الناعمة، وبمثل ما كان العراق نموذج اختبار الحرب الخشنة، فإن لبنان نموذج لاختبار الحرب البديلة.
– الحرب الجديدة، التي لها عنوان الفساد والعلاقة بحزب الله في لبنان، لها عناوين أخرى في روسيا والصين وإيران وبلاد العالم التي ستكون أوروبا لاحقاً ميداناً لها عندما تعتمد التجربة كنموذج قابل للتكرار، هي حرب إعادة تشكيل السلطات في بلاد العالم وفق دفتر الشروط الأميركي، تمهيداً لمطالبتها باتخاذ القرارات التي تلبي المطالب والمصالح الأميركية، فتحت سيف العقوبات والإغراء بجزرة المعونات يُعاد تشكيل المشهد الإعلامي الذي تتصدّره المؤسسات التلفزيونيّة، والتي يتسيّدها رجال أعمال، يقيمون ألف حساب للعقوبات، ومثلهم رجال الأعمال الطامحون للسياسة، والجمعيات الأهلية المنغمسة في السياسة، ثم تتكفل العقوبات برسم معايير صارمة لمن يسمح بتوليهم مسؤوليّة الشأن العام، فتصل الدولة، أي دولة، بعد مسار شبيه بما يجري في لبنان، إلى معادلة قوامها أن يضع كل متطلع لممارسة الشأن العام، إلى كيف لا يكون على لائحة العقوبات، فهل يعقل أن يتولى الرئاسة من يرد اسمه في لائحة عقوبات الدولة الأعظم في العالم ويتعرّض بسببه بلده للحصار الذي يتحوّل تجويعاً، وكيف تسلم الدولة وزاراتها لمن سيقاطعهم الأميركي لأنهم على لوائح عقوباته، وتدريجياً سيتطبّع المشهد السياسي مع الخضوع، ويستسلم للترويض، بين إعلام ونيابة ووزارة ورئاسة وقادة عسكريين وأمنيين وقضاة، نالوا بركة الاستبعاد عن لواح العقوبات، ليس هذا شأن خاص بلبنان، بل استراتيجية حرب بديلة تُختبر في لبنان.
– السؤال الشديد الملوحة الأهم هو ماذا بعد، بعد سيقول الأميركيون للطبقة السياسية التي يتولى الإعلام حمايتها بقوة السيف المسلط على الرؤوس واليد المدودة إلى الجيوب ذاتها، هذا هو دفتر الشروط، وهو لبنانياً، لا يخص علي حسن خليل ولا يوسف فنيانوس، بل كل اللبنانيين، ودفتر الشروط اللبناني أميركياً، يبدأ بترسيم البحر وفق المصالح الأميركية، وينتهي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، مروراً بالتطبيع وفقاً للوصفة الإماراتيّة، والإمارات كانت بالمناسبة النموذج السري لاختبار سلاح الحرب الجديدة وقد أثبت فعاليته. وها هي الثمار تنضج أمامنا، فهل ينتبه السذج والأغبياء لما نحن مقبلون عليه، ويرتدع العملاء عن التذاكي، ولتكن الإجابة مباشرة على الأهداف وليس على الوسائل