هل أخطأت «إسرائيل» حسابات الغارة على دمشق؟
ناصر قنديل
العصر- لا مكان للتزامن بالصدفة بين الأحداث الكبرى في ساحة شديدة الحساسية كحال سورية، ولا مكان لتزامن الصدفة عندما يكون اللاعبون المعنيون هم أميركا و”“إسرائيل”” وداعش، فما جرى بعد كارثة الزلزال الذي ضرب سورية وأصابها بكارثة إنسانيّة، هو تراجع أميركي إلزامي تحت ضغط موج التعاطف الإنساني الكبير معها، وصعوبة المضي بنظام العقوبات والحصار دون تحمل مسؤولية سقوط الضحايا. وبالتوازي وبسرعة كان لا بد من تعويض هذا التراجع ببديل من حواضر البيت الأميركي، فتمّ استدعاء تنظيم داعش من فرق الاحتياط، واستنهاض الدور الإسرائيلي من الإحباط، وقام كل من الطرفين بارتكاب مجزرة بحق المدنيين. ومن الواضح أن المجزرتين تحملان رسالة وجع واحدة تحاول التعويض عن وجع الحصار والعقوبات.
🔸تدرك واشنطن أن لا شيء مضموناً ولا شيء موثوقاً في الحسابات، وهي تراقب العمليات التي تستهدف قواتها في القرية الخضراء قرب حقول العمر النفطية، وارتفاع المناداة بالانسحاب الأميركي والإفراج عن الثروة النفطية السورية المنهوبة، التي يتقاسم عائداتها الضباط الأميركيون مع عصابة من المتعاونين في بيعها عبر تركيا مرورا بالكانتون الكردي في سورية ومنطقة كردستان في العراق وصولاً الى الساحل التركي، لكن واشنطن المأزومة في حرب أوكرانيا، والمرتبكة في المواجهة مع الصين، تخشى أن يؤدي تراجعها في المنطقة الى تفكك تحالفاتها، وقد بدأت تقرأ مواقف متمايزة عن سياساتها إلى حد الافتراق لدى كل من تركيا والسعودية وبنسبة معينة مصر، وتظهير الحضور بالقوة مخاطرة لا ترغب خوضها بقواتها، فتسند المهمة إلى “إسرائيل” التي لها أسبابها أيضاً للقيام بهذا الدور، لكن هل أخطأت “إسرائيل” الحساب بقبول المهمة هذه المرة؟
▪️عشية الغارة الإسرائيلية كانت سفينة إسرائيلية تُصاب في الخليج الفارسي، وكانت القواعد الأميركية حقول العمر في شرق سورية تستهدف بالصواريخ، وكان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله يضع معادلات ردع جديدة وقواعد اشتباك جديدة، محورها أن المقاومة الجاهزة لحرب مع كيان الاحتلال لا تعتبر اتفاق الترسيم البحري، الذي نال لبنان عبره مطالبه النفطية، كافياً كمعادل استراتيجي لوضع فائض قوة المقاومة على الطاولة، ولا يعتبر “إسرائيل” نداً للمقاومة على هذه الطاولة، فيوجه تحذيره للأميركي بعدم العبث بفرضية دفع لبنان إلى الجوع والفوضى وإلا فالحرب على “إسرائيل”، وفق معادلة “يدكم التي توجعكم مقابل يدنا التي توجعنا”. وفي مناخ الانقسام الداخلي الإسرائيلي من جهة وتصاعد الموقف الفلسطيني المقاوم بوجه التطرف الإسرائيلي من جهة مقابلة، هل تملك “إسرائيل” فرصة عزل اعتداءاتها على سورية عن ميزان القوى الإقليمي المختل لصالح قوى المقاومة؟ وهل لا زالت تملك فرصة عزل اعتداءاتها على سورية عن الموقف الروسي المتعاظم الغضب من حجم انكشاف الدور الإسرائيلي في أوكرانيا، في ظل وضع دولي تتراجع فيه أميركا وتضعف فرص الحديث عن حياد “إسرائيلي في حرب أوكرانيا؟ وهل تملك “إسرائيل” ان تشكل فائض قوة أميركي في أوكرانيا دون أن تفقد هوامش الموقف الروسي في سورية؟
🔸✨. الأكيد أن الإيقاع الفلسطيني المتعاظم يضع المنطقة على أبواب مرحلة جديدة، والأكيد أن موقف السيد نصرالله يعبّر عن انتقال نوعيّ للمقاومة من معادلة الردع بالامتناع عن الحرب إلى التهديد بخوض الحرب، والأكيد أن الزلزال الذي أصاب سورية أضعف شوكة دعاة حصارها السياسيّ، والأكيد أن روسيا تفقد ثقتها بحياد “إسرائيل” في حرب أوكرانيا، والأكيد أن الغارات الإسرائيلية على سورية تسير عكس اتجاه كل ذلك، وأن الصدام بين الاتجاهين واقع لا محالة، فهل أخطأت “إسرائيل” الحساب؟