أحدث الأخبارالاقتصادشؤون امريكية

هل بدأ البترودولار يفقد الهيمنة على عالم المال والتجارة.

ابراهيم المهاجر

العصر-الرأسمالية التي تتخذ من الدولار عنوان لقوتها هي نظام يقوده أصحاب المال ويسيّرُه سياسيين وتحميه قوة عسكرية تأتمر بقرارات أصحاب النفوذ الاقتصادي. باختصار هو نظام يستند على ركائز ثلاث اساسية السياسة والاقتصاد والعسكر أحدهما يدعم الاخر.

بعد سقوط كابل وبغداد بحملات عسكرية امريكية بدأت ملامح الشيخوخة تظهر على النظام الرأسمالى بقيادة امريكا، وكأنه يريد أن يدخل غرفة العناية بالمسنين. ولا غرابة من القول ان كل الحضارات التي سبقت حضارة العالم الرأسمالي قد عانت من الشيخوخة والاندثار في النهاية ايضا. لانها تولد وهي تحمل بذور فنائها في داخلها. وليس من المبالغة اذا قلنا ان الشروط الموضوعية المبررة لهيمنة الراسمالية التي تقودها امريكا قد سقطت. فامريكا لم تعد قوية كما كانت في السابق وما يربطها بظهيرها السياسي والاقتصادي والعسكري، أوروبا الغربية، هي اصرة وهمية لولا الحرب الروسية-الاوكرانية التي بقيت الاس المشترك الذي يحافظ على الوحدة بينهما خوفا من التمدد الروسي- الصيني على حساب هذا الضعف الاوربي-الامريكي. القراءة الحالية والمستقبلية للحرب القائمة في شرق اوربا انها لاتزال في مرحلة مسك الارض بين الطرفين المتحاربين فاذا تحولت إلى حرب شاملة ليس مع اوكرانيا فحسب بل مع الناتو الذي تتزعمه امريكا واروبا الغربية فالتوقعات تشير الى ان اوربا سوف تعلن طلاق زواجها الكاثوليكي مع امريكا، كي تتجنب اية ضربة روسية او صينية ربما نووية من ان تصيبها بضرر سواء كانت استباقية او دفاعية.



الانهيار الاقتصادي القادم للنظام الرأسمالي وزوال هيمنة البترودولار بات لابد منه. هذا الزوال هو ليس ارهاصات منجمين او اضغاث احلام تكدر نوم الحالمين بقدر ماهي دراسات صادرة من اكاديميات علمية ومراكز دراسية حول العالم تصفه بالزلزال البطيئ. فبعد تحكم مطلق للدولار الامريكي في العقود التجارية والمعاملات المصرفية من دون ان تغطية الذهب لها لمدة تزيد على الخمسين عاما بدأ الذهب يعود مرة اخرى لحماية العملات العالمية مما يرشح صعود سعره الى أسعار تجعل بريقه ضرب من الخيال الذي لايوصف. العملة البديل للدولار المرشحة من بين سلة العملات العالمية للتعامل التجاري هو اليوان الصيني بعد ان سيطرت الصين على ٦٠% من التجارة العالمية. نتيجة منافسة عملة اليوان للدولار في العقود التجارية فقد بادرت السعودية في خطوة جس نبض للإدارة الامريكية الى تسعير قسم من عقودها النفطية باليوان وقبلت عملات اخرى غير الدولار. كذلك اتخذت الامارات نفس الخطوة بالنسبة لبيع الغاز المسيل. الامر لم يكن يمر على امريكا من دون علم الا انها مشلولة القرار تجاه مايجري. فقد وصف مسؤولي الخزانة الامريكية ان خطوة السعودية والامارات بالكارثة الكبرى ورفعت سعر الفائدة للمساعدة على هجرة الاموال الاسيوية الى امريكا بعد ان خولت الصين في الشهر الماضي شركات نفطية بتسوية تعاملاتها التجارية باليوان. الإجراء الامريكي برفع الفائدة لم يأتي بتحسن على هيمنة الدولار اذ ان هناك دول من المنظمة التجارية المسماة بالبركس والمتكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا بدأت تستغني عن الدولار باليوان في تعاملها التجاري مع الصين، حتى صار اليوان من العملات الاحتياطية الصعبة في بلدان البركس ليتجاوز الاحتياطي من اليورو والدولار في بعضها.

البلدان اليوم تقاس بقوتها الاقتصادية وليست العسكرية كما كانت في السابق. امريكا اليوم تواجه ازمة عالمية بفقدان الثقة بقوتها التي استمدتها من الاقتصاد والعسكر والتي بنت عليهما قوة الدولار المعنوية. فهي أجبرت دول النفط وبالخصوص الخليجية منها علي تسعير صادراتها النفطية بالدولار الذي يترنح اليوم امام العملات العالمية ولم يعد يقدم الحماية الكافية لاقتصاد دول العالم، نتيجة الدين الأميركي الذي بلغ نهاية الربع الاول من السنة الحالية الحد المسموح به من قبل الكونكرس ٣١،٤ تريليون دولار. اذ أثر بلوغ هذا الحد صرح رئيس مجلس الاحتياط الامريكي جيرم باول: ان الاحتياط الفيدرالي سيكون غير قادر على حماية الاقتصاد الامريكي في حال الافلاس. وهذا يشير ان هناك قلقا امريكيا، وخصوصا بعد الهبوط الغير المسبق الذي ضرب الدولار امام جميع العملات، من مواجة افلاس اقتصادي قادم والذي سوف يصفر قيمة الدولار لتجد الاقتصادات العالمية بديلا له وهو ما تخشاه امريكيا.



التنافس بين الدولار الأمريكي ويورو أوروبا الغربية من جهة وعملات دول البركس مجتمعة من جهة أخرى مع ظهور العملات الرقمية جعل افول الدولار في التعاملات متوقع. وما يجعل افول الدولار متوقعا هو ليس مبادرة الصين لجعل العقود النفطية باليوان بل هناك دعوات دول في امريكا اللاتينية لتوحيد عملتها. كانت اول دعوة هي للراحل رئيس فنزويلا هوغو جافير سنة ٢٠٠٧ حين اقترح إيجاد عملة موحدة لدول أمريكا الجنوبية، اسماها السوكري، لإيقاف هيمنة الدولار والبنك الدولي في التعاملات التجارية. اولد اقتراح هوغو جافيز مبادرة من قبل اكبر اقتصادين في امريكا اللاتينية هما البرازيل والأرجنتين لانشاء عملة موحدة تغطي مدفوعات التبادل التجاري بين دول القارة. لم يكن مايجري من مبادرات في دول غرب الارض بعيدا عن إيجاد وسائل تبادل تجاري بدون الدولار في دول شرقها. فالسعودية باتفاقية تجارية مع كينيا بدأت تبيع النفط الخام لها بالشلن الكيني. ودولة الامارات العربية والهند تبحثان سبل التبادل التجاري الغير النفطي بالدرهم الاماراتي والروبية الهندية.
صفوة الكلام يوجد هناك اكثر من نموذج لدول البركس غايته ايجاد سبل للتعامل التجاري بعيدا عن الدولار. اما مجموعة دول البركس التي تأسست سنة ٢٠٠٦ وبعد انضمام الجزائر ومصر وتركيا والسعودية والارجنتين فانها ماضية في انشاء عملة مشتركة قد يكون اليوان الصيني محورها. اذ سوف تشكل دول البركس قرابة نصف سكان العالم. استبدال الدولار بوليد العملة الجديد في تجمع دول البركس ذات الكثافة السكانية عالية سيؤدي الى إلحاق ضرر عميق في الاقتصاد الامريكي. اذ بعد ولادة عملة البركس سوف يودع الدولار الساحة التجارية في هذه الدول بحالة ضعف الى درجة الشلل في التعامل، ويودع عالم المال والتجارة في النهاية لتحل محله عملة جديدة ربما البترويوان او عملة اخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى