هل تنجح حرب إسرائيل – أميركا الجديدة لإضعاف “حزب الله”؟
مجلة تحليلات العصر-ايليا ج. مغناير

عندما فشلتْ الحربُ العسكرية بالتغلب على “حزب الله” اللبناني، كان لا بدّ لإسرائيل من إتباع حرب مختلفة جديدة – قديمة في فنّ الحروب ولكنها غير ظاهرة للعلن. وهي تتكوّن من مجموعة حروب بما في ذلك إستخدام القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والعقوبات الأميركية وحرب المنصات الإلكترونية والحروب الإعلامية والبروباغندا والأخبار الكاذبة وتغذية الانقسامات وسياسة الحصار وإشغال العدو من الداخل لاضعافه قبل الإنقضاض عليه. إنها حرب الجيل الخامس، إنها الحرب الهجينة على “حزب الله”.سلّمتْ الأمم المتحدة رسالةً إلى “حزب الله” مفادها أن قتْل أي جندي أو ضابط إسرائيلي سيدفع إسرائيل إلى ضرْب عشرة أهداف ومراكز لـ “حزب الله” في مناطق مختلفة من لبنان. وزوّدت إسرائيل خرائط وأماكن المكاتب التي تريد إستهدافها مع رسالتها بحسب ما قال مصدر قيادي مطلع. وكان ردّ “حزب الله” على الرسالة بأن قصف عشرة أهداف في لبنان سيتم الرد الفوري عليه بعشرة أهداف إسرائيلية عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة وأخرى تابعة للحكومة الإسرائيلية بصواريخ دقيقة منن دون إنذار مُسْبَق.وكان الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله قد أعلن أنه سيقتل جندياً إسرائيلياً مقابل قتْل إسرائيل لعنصر من “حزب الله” في سورية أثناء إستهداف مركز تابع للقوات المشتركة في محيط دمشق. ومنذ ذلك اليوم، أي منذ 20 يوليو الماضي، لم تضرب الطائرات الإسرائيلية أي هدف في سورية وطُلب من الجيش الإسرائيلي الإختفاء في ثكناته وداخل قوقعته لتفادي عملية الإنتقام.وصرّح قائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعام ان “إسرائيل تحرص على عدم الإنجرار إلى حرب واسعة مع حزب الله لإنها حرب لا يريدها الطرفان”.ولم يعد قادة إسرائيل يلوّحون بإعادة لبنان إلى العصر الحجري بقصفهم للبنية التحتية وتدميرها. وهذا سببه أن تَوازُن الردع قد تحقق وأن إسرائيل تقول إن لدى حزب الله صواريخ تصيب أي هدف في أي مكان في إسرائيل وبقوّة تدميرية هائلة.وبالتالي سقطتْ نظرية أن لبنان قوي بضعفه لأن سياسة وقوة الردع وتَوازُنه أجبرت إسرائيل على التراجع عن إستخدام القوة العسكرية ولكنها لم تتخلّ عن مشروع إضعاف “حزب الله” أو إنزال الهزيمة به. وهذا ما دفع هذا الحلف الإستراتيجي (أميركا وإسرائيل) للتحوّل الى “الحرب الناعمة” أو الحرب الهجينة إلى حين تتهيأ الفرصة لتوجيه الضربة العسكرية إلى حزب الله لإنهائه، إذا توافرت وإذا إنتصرت هذه الحرب التقليدية – غير الكلاسيكية وفشل “حزب الله” في مجابهتها.فإذا تناولنا سيناريو الأحداث اللبنانية منذ 2006، عام الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان، نرى أن حرب الإستخبارات والحرب الكلاسيكية قد فشلت كلياً، لأن إسرائيل لم تحقق أهدافها وفشلت مخابراتها في كشف قدرات حزب الله الصاروخية التي فاجأتْها في وادي الحجير بصواريخ الكورنيت المضادة للدبابات وصواريخ السطح – سطح التي قصفت بها البارجة “ساعر” والقدرات الإلكترونية التي إستطاعت الدخول إلى الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، وقدرات أخرى مكّنت الحزب من معرفة عدد كبير من الأهداف التي أُدخلت إلى نظام الطائرات لقصفها، فأخلى مراكزه قبل وصول الصواريخ. وقد عمدت إسرائيل إلى إقفال هذه الإحداثيات بتقنية أكثر تقدماً. إلا أن الحرب الإلكترونية لم تتوقف بتدابير وتدابير مضادة.ولهذا أخذت الحرب الهجينة منحى آخر أكثر فعالية لضرب حزب الله. فلنأخذ مثلاً ما عرضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العام 2018 وقبل عدة أيام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن وجود صواريخ لحزب الله قرب مطار بيروت وأخرى في منطقة الجناح. وفي المحاولة الأولى، خرج لنتنياهو وزير الخارجية حينها جبران باسيل ودعا سفراء الدول لزيارة المكان وفي الحالة الثانية دعا حزب الله الصحافة المحلية والدولية لزيارة المكان لتكذيب نتنياهو.ولكن هل فعلاً خسر نتنياهو الجولتين ضد “حزب الله” أم العكس؟في سؤالي لأحد القادة في لبنان، كم تعتقد من أصل 194 ممثل دولة في الأمم المتحدة شاهدوا ردّ لبنان والسيد نصرالله ليكذّبوا نتنياهو؟ لربما واحد أو اثنين أو عدد قليل جداً. وتالياً فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربح الحرب التضليلية وساعدَه اللوبي الصهيوني القوي في الإعلام الدولي لنشْر صوره الملوّنة وإخراجه الفولكلوري والتغاضي عن وجهة نظر حزب الله. ومن غير المستبعد أن نتنياهو هدف في حربه الإعلامية لتقليب الرأي العام الدولي والمحلي ضدّ حزب الله. ففي أوروبا، يرفض قادة القارة العجوز إعتبار الحزب كتنظيم إرهابي. وفي داخل لبنان هناك قول معروف: “لنا قوم لو أسقيناهم العسل المصفى ما إزدادوا فينا إلا بغضاً ولنا قوم لو قطعناهم إرباً ما إزدادوا فينا إلا حباً”.إذاً فإن المجتمع اللبناني منقسم على نفسه، ومَن يدعم حزب الله عقائدياً يبقى على موقفه ولا يتزحزح أبداً. أما مَن يؤيّد حزب الله ظَرْفياً فقد إنقلب بعض هؤلاء كما هو ظاهر على مواقع التواصل الإجتماعي ليأخذوا وبالأخص في الشارع المسيحي منحى بدأ بإنتقاد “حزب الله” لأسباب عدة أهمها عدم وقوف الحزب ضدّ جميع المُتَّهَمين بالفساد وحمايته لأشخاص سياسيين معروفين دون آخَرين، من دون الالتفات إلى الصورة الأكبر التي تحاك ضد لبنان وحزب الله وبيئته الحاضنة وحلفائه.وتشترك أميركا بالعقوبات على “حزب الله” وحلفائه في لبنان وعلى سورية ليكون لها دور فعال في الحرب الهجينة المتعددة الأوجه ليقع لبنان فريسة أفعال ساسته على مدى عقود. فقد كانت واشنطن راضية عن ممارسات السياسيين اللبنانيين لسنوات طويلة. ولكن بعدما كبر حزب الله وتَعاظَمَتْ قوّتُه العسكرية وخبرتُه القتالية في سورية وحيازته على صواريخ إيران الدقيقة، حان الوقت لتغيّر الولايات المتحدة المقاربة ولو وصولاً إلى حصار اللبنانيين والسوريين ليدفعوا ثمناً أكبر بكثير من الحرب العسكرية التي لم تنجح بقلْب النظام السوري ولا بهزيمة حزب الله وجهاً لوجه.ولم ولن تتخلى أبداً إسرائيل وأميركا عن هدف هزيمة “حزب الله” لأن من غير المقبول أن يصبح تنظيماً أقوى من الدولة وأقوى من جيوش عدة في الشرق الأوسط. وما زاد الطين بلة هو الحصار المالي على لبنان ليستسلم. فخرج “حزب الله” بقرار الإبقاء على دفع الحقوق (المعاش الشهري) بالدولار ليدفع أميركا وإسرائيل لتعديل وتطوير الحروب الهجينة عليه. وها هو لبنان يقترب من الفوضى لأن الحكومة التي تصرّف الأعمال لم يَعُد لديها ما يكفي لدعم سعر الدواء والنفط والخبز. وهذا ما سيدفع البلاد نحو فوضى أكبر بكثير مما هي عليه اليوم إلا إذا قابَلها الطرف الآخَر بخطة مضادة تحصّنه داخلياً وتمنع أن يصل لبنان إلى مستوى الدولة الفاشلة.ومن المؤكد أن “حزب الله” لا يملك منظومة إلكترونية على مواقع التواصل الإجتماعي ولا يملك الدعم الكافي ليقف أمام الهجوم القوي الذي يقوم به خصومُه. ومجتمع “حزب الله” لا يستطيع التقاط أنفاسه لأنه في موقع المُدافِع دائماً لكثرة الأعداء والإدعاءات. وقد أصبح الحزب وحيداً في الساحة اللبنانية وخصوصاً بعدما قَبِل، بالإتفاق مع حلفائه، بأن يأخذ على نفسه مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية ليجنّبهم العقوبات الأميركية المقبلة ليفاوض هو الذي لا يخشى العقوبات ويحافظ على مكتسباته وطلباته. وهذا ما زاد الحِمْل والإتهامات بوجهه داخلياً.ومن الواضح أن المجموعة الدولية تريد دفْع “حزب الله” للسيطرة على لبنان عسكرياً وخصوصاً أنه يستطيع فعل ذلك ولا قوة تستطيع ردْعه. إلا أن هكذا قرار لن يُتخذ أبداً لأن من شأنه التسبّب بحصار مثلما حلّ لمنظمة “حماس” في غزة وأكثر من ذلك ليفقد كل الدعم الداخلي إلا من بيئته الحاضنة.إنها حرب الجيل الخامس التي تجمع الحرب الكلاسيكية عن طريق الطائرات المسيّرة والإستخبارات وحرب البروباغندا لإضعاف “حزب الله”. فهل تنجح إسرائيل وأميركا؟
(الراي الكويتية)