
بقلم علي شريف
العصر-طبعاً نؤيد استعادة العلاقات العربية-العربية، والعربية-الإسلامية(ومنها العلاقات السعودية-الإيرانية والخليجية السورية)، ونأمل أن يتم المزيد من الانفتاح بين تلك الدُوَل بعد طول تناحُر، بل نأمل أن يصل الانفتاح إلى مستوى التحالف الاستراتيجي القوي والمتين على مقياس القضية الفلسطينية، والمستقل عن أي صفقة وعن أي تَدَخُّل غربي، وعن أي تواطؤ مع أي غزو واعتداء على أي دولة عربية وإسلامية. ولكن أكتب هذا المقال لكي لا تكون ذاكرتي ضعيفة، ولكي لا أكون ساذجاً في التفكير.
يقول المثل اللبناني “نحنُ نُبَرِّدُ اللبن لأننا اكتوينا به حليباً”. فمن يقرأ تاريخ آل سعود ويطلع على أفاعيلهم وتحالفاتهم، لا يمكن له أن يطمئن للمستجد في مواقفهم. فلنُسَلِّط الضوء على بعض الأسئلة والهواجس:
هل تراجعت السعودية والإمارات عن دورهما التدميري في دُوَل الربيع العربي وفي سوريا؟
هل أوقفت السعودية تدخلَها في البحرين؟
ألا تتابع هاتان الدولتان حربهما على اليمن بالتعاون مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وتسعيان لتقسيم اليمن إلى يمنين أو ثلاثة أو أكثر؟
هل انسحبت الإمارات من جزيرة سقطرى اليمنية وتراجعت عن تسليمها للكيان الصهيوني؟ وهل تراجعت السعودية عن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للكيان الصهيوني؟
ماذا تفعل السعودية والإمارات في السودان حالياً؟ ألا تنفذان الأجندة النيوليبرالية بتفتيت كل الدول العربية والإسلامية؟
هما تلعبان في السودان، بالشراكة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بشكل أوسع وأخطر مما لعبتاه في سوريا. والوساطة السعودية الأميركية التي يتحدثون عنها لوقف النار هي كذبة كبيرة، لأن هذه الدول هي التي تؤجج المعارك، وللأسف يغرق البرهان وحميدتي حتى أذنيهما في الانصياع لهم.
لا يمكن لأي عاقل أن يطمئن للتغيير المفاجئ الذي حصل على موقف السعودية والإمارات تجاه سوريا، ولا أخفي عليكم خوفي على الرئيس بشار الأسد من تدبير المكائد له.
أما القمة العربية في السعودية، فهي تجري ضمن إطار تكريس زعامة السعودية للعرب، وضمن هذا الإطار أرادوا لعودة سوريا أن تتم في قمة السعودية وليس في قمة الجزائر، لكي تكون تحت عباءة آل سعود. السعودية فرضت عليهم أن يتم ذلك في القمة التي ستعقد فيها في 19 أيار ٢٠٢٣، لكي تبقى هي بوابة القبول كما كانت بوابة الطرد. ولأنها تريد تكريس قاعدة أنها هي بوابة التضامن العربي كما هي بوابة التشرذم العربي، وأي إجماع عربي يجب أن يكون إجماعاً على ما تريده السعودية؛ فإن قَبِلَ العرب بذلك نجوا، وإن رفضوا عليهم أن يتحملوا كل أنواع الانتقام، وكل احتمالات الحروب الداخلية والسيارات المفخخة والتفجيرات والاغتيالات…
إن كل تحرك للسعودية يهدف إلى تكريس نفسها زعيمة للأمتين العربية والإسلامية، هي تهدف إلى ذلك منذ انطلاقة تحالف آل سعود مع آل الشيخ وتأسيس إمارة الدرعية في الجزيرة العربية. ولا يزعجها في هذا السعي سوى إيران وتركيا بعد أن وضعت مصر في جيبها. لا أتفق مع تحليل بعض المحللين الذين يُرَوِّجون أن السعودية خرجت من تحت العباءة الأميركية أو أنها تابت عن أعمالها التدميرية. فلو تابت فعلاً لرأيناها قد بدأت بالانسحاب من اليمن والبحرين، ولما رأيناها تعبثُ في السودان اليوم مع الإمارات والكيان الصهيوني. ولما رأينا الإمارات تؤسس ميليشيا لها في السودان تُرهب بها الناس وتنشر بينهم الرعب؟
بصراحة، لا أستطيع أن أطمئن للتغيير المفاجئ الحاصل في موقف السعودية تجاه سوريا، من مُمَوِّلٍ للإرهابيين المرتزقة ضدها إلى منفتحٍ عليها ومضيافٍ للرئيس بشار الأسد بكل حفاوة. ولا أطمئن لانفتاح الإمارات علي سوريا، وهي المتحالفة استراتيجياً حتى العظم مع الكيان الصهيوني، وتُغدِقُ في سوريا الأموال وتتقرب من السكان؟ فهل يمكن أن يقنعني أحدٌ أنها لا تخطط لما هو أخطر مما فعلته قطر في سوريا؟ وهل يمكن لأحدٍ أن يقنعني أنها لا تحمل أجندة موضوعة في تل أبيب؟
أتمنى أن أكون مخطئاً في هواجسي وأن تثبت السعودية والإمارات أنهما طلبتا من ربهما المغفرة على ما فعلتاه من قتل وتدمير وتكفير، وأنهما انسحبتا من معاهداتهما مع الكيان ومع الشيطان.
*الجمعة 19 أيار 2023*