يوم القدس؛ صرخة الأمة الإسلامية
مجلة تحليلات العصر الدولية - الحسين أحمد كريمو
أسس لهذه النهضة الحضارية، ولهذه الصرخة السياسية العالمية الإمام روح الله الخميني (قدس سره) بعد أن احتلّ الكيان الصهيوني جنوب لبنان عام 1979م، حيث أصدر السيد الإمام (رحمه الله) في يوم 13 رمضان 1399 هـ ـ 7 آب/ أغسطس 1979 م بياناً طالب فيه باعتبار (آخر جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس)، وجاء في بيانه: “إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين”.
فماذا أراد السيد الإمام روح الله الموسوي الخميني (رحمه الله) أن يقول للعالم، وهو المرجع الشيعي الكبير، وقائد الثورة الإسلامية في إيران حيث كانت منتصرة وجديدة في انتصارها، وكان كل العالم يُعدُّ العدَّة لمحاربتها لثنيها عن ثورتها البكر في الأهداف والرؤى والتطلعات على مستوى المنطقة والأمة وربما على مستوى العالم أجمع؟
في الحقيقة والواقع انطلق سماحته من دراسة واعية وواقعية لمسالة في غاية القداسة والأهمية ألا وهي مسألة الاحتلال الصهيوني لفلسطين العربية، ثم تدنيسها للقدس الشريف، ورأى كيف خسرت الأنظمة السياسية الرسمية العربية حروبها كلها مع ذلك الكيان المغتصب الذي أطلق عليه اسم “الغدة السرطانية”، فأصاب الوصف والحقيقة لهذه الغدة القاتلة في جسد الأمة.
فحرب النكبة 1948م، ثم حرب النكسة 1967م ثم الحروب الاستنزافية التي كانت تشنُّها تلك العصابات المجرمة كالهاجانا وأخواتها، والتي اتبعتها فيما بعد عصابات التكفير الصهيووهابية المجرمة في تحركاتها في ضرب الأسس والقواعد في الأمة، فالمخطط واحد ولذا الخطوات جاءت متشابهة جداً، وبما أن أنظمة الحكم في بلادنا العربية، والسياسة الرسمية فيها تتبع بمعظمها إلى الأنظمة الغربية والاستكبار العالمي لا سيما في ممالك الرمال، ومنابع النفط والغاز حيث تماهى هؤلاء الأشقياء مع المخطط الغربي في ضرب الأمة الإسلامية لتركيعها، لا سيما بعد أن انسلخت أكبر دولة عربية جهاراً نهاراً عنهم وتصالحت مع تلك العصابات دون حياء أو خجل من ذاك المقتول “السادات”، فصارت فرحة كبرى في الكيان وحزن شديد في الأمة فراحوا يعزفون على وتر القوة التي لا تُقهر، وكأنها صارت بُعبعاً يُخيف الجميع.
ولذا جاء هذا الإعلان من السيد الإمام الخميني (رحمه الله) ليُعيد للقضية الفلسطينية إلى سكَّتها الصحيحة حيث أخرجها من قيد الأنظمة الفاشلة ووضعها في أمانة الأمة الإسلامية التي لا يمكن أن تفشل، لأنها تعتبر القدس هي مسألة دين وعقيدة وإيمان وقداسة وهذا لا يمكن أن تسامح فيه الأمة، وأما الأنظمة فهي لا تفهم معنى ذلك وكل ما تفهمه كيف تحافظ على كراسيها وعروشها وكروشها والأمة ومقدساتها فلتذهب حيثما تذهب لا شأن لهم بها.
فجاءت صرخة الإمام الخميني (رحمه الله) ليقول للجميع: القدس الشريف هو قدس الأمة الإسلامية وليس قدسكم لتبيعوها، وهي عنوان لشرف الأمة ورمز لدينها وقداسة قبلتها الأولى.
ولذا ترى الشارع العربي والإسلامي هو الذي يتفاعل مع هذه الصرخة المدوية التي تتفاعل وتزداد في كل عام وكثير من الأنظمة تمنعها وتحرمها وتعاقب عليها ورغم ذلك يخرج الناس والأمة في هذا اليوم للتعبير عن صرختها في وجه الكيان المغتصب والغدة السرطانية وكل الكيانات المهادنة لها والمطبعة معها، وترفض الاعتراف بهم جميعاً وتهدد وتتوعد الجميع أمام التاريخ وأنه سيأتي اليوم الذي نسترجع في قدسنا، ونطهرها من رجسكم أيها الأشرار.
فهنا الإبداع في الحقيقة في فكرة يوم القدس العالمية، من حيث الزمان، والوقت الذي اختاره السيد الإمام (رحمه الله) حيث جعل أخر جمعة من شهر الله المعظم شهر رمضان لتوجيه هذه الصرخة من كل الأفواه المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية، وقداسة القدس الشريف، ولذا سيأتي اليوم الذي تتحقق فيه الأهداف السامية التي كان هذا الإطلاق لأجلها.
فيوم القدس العالمي هو صرخة الأمة العربية والإسلامية في وجوه العالم أجمع ليعرف أولاً، ويعترف ثانياً بأن فلسطين هي قضيتنا، والقدس هي عاصمتها التي لا يمكن لأحد أن يتنازل عنها في سوق السياسة والنخاسة الرسمية، فهي برسم الأمة لا برسم الأنظمة والسلطات الرسمية التي تعيش الحلم الصهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم، لأنهم صهاينة أكثر من الصهاينة.