يوم القدس العالمي الرابع والأربعون
مجلة تحليلات العصر الدولية - د. أبو محمد الحسني الإدريسي

في منتصف رمضان من سنة 1399 للهجرة الشريفة، أعلنت قيادة الثورة الشعبية الإيرانية ممثلة في زعيمها الراحل السيد روح الله الموسوي الخميني يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس الشريف.
وجاء في البيان التأسيسي لهذه المناسبة الفلسطينية، دعوة “المسلمين في جميع أنحاء العالم لجعل يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك يوما عالميا للقدس، وإعلان التضامن الدولي مع الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين…”
يمكن تحليل وتعليل هذا القرار التاريخي، انطلاقا من خماسية مقدسة، أضلعها الخمسة هي : – فلسطين وقدسها
– وشهر رمضان
– والعشر الأواخر حيث ليلة القدر – ويوم الجمعة
– وهمة رجال من فارس يصلون الثريا
ولكل ضلع موقعه الخاص في الدين والتاريخ فلنحاول الإشارة المختصرة إلى كل ضلع من تلك الأضلع.
1 – القدس وفلسطين : يكفي هذه المنطقة الجغرافية من العالم عزا وفخرا وشرفا أن اختارها الله عزوجل طريقا لعبور عبده ورسوله إلى السماوات العلا في رحلة الإسراء والمعراج المشهورة حيث جعله الله إماما للأنبياء والرسل، ولا يملك المؤمنون فضلا عن الأنبياء والرسل أمام الجعل الإلهي غير التسليم. قال تعالى في سورة الإسراء : ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” بهذه السورة وبغيرها مما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصبح القدس وما حولها أرضا مباركة لا يجوز قبول اغتصابها وتحويلها إلى مركز عالمي لبث الفتن والحروب في العالم الإسلامي.
2 – يكتسي يوم القدس العالمي عظمته من عظمة شهر رمضان. ولا شك أن ما ورد في حق هذا الشهر من السماء وخاتم الأنبياء وكل الأولياء قد يحتاج لجمعه إلى أكثر من مجلد ضخم فخم، ويكفينا في هذه العجالة الإشارة إلى تشريف الله عزوجل له بأعظم حدث كوني وهو إنزال أعظم كتاب على أعظم رسول ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” البقرة 185.
3- من بين أيام شهر رمضان المعظم، تم اختيار يوم من أيام العشر الأواخر منه، وهي الأيام التي يوجد في إحدى لياليها، ليلة القدر التي عظمها العارف بما ومن يستحق التعظيم فقال سبحانه: ” بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ” وبما أن يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من رمضان فقد يصادف ليلة القدر.
4 – الضلع الرابع ليوم القدس العالمي هو يوم الجمعة، وهو اليوم الذي يحتوي على ملكات وساعات وطاقات روحية ومعنوية تفوق معدل الموجود في باقي أيام الأسبوع الأخرى؛ ففي القرآن الكريم سورة تسمى “الجمعة” ، وفي بيان خاتم الانبياء عشرات النصوص الموضحة لحقيقة الجمعة وفضلها وروحانياتها خلال كل أشهر السنة وخلال شهر القرآن على الخصوص…
5 – الضلع الخامس وهو الذي أسميناه ب ” همة رجال من فارس يصلون الثريا” اعتمادا على تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى ” وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” الجمعة 3. قال البخاري :حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة، قال : كنا جلوسا عند النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فأنزلت عليه سورة الجمعة : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على سلمان ثم قال : ” لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال – أو : رجل – من هؤلاء ” ورواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي أيضا… وعن أبي هريرة : ” قالَ ناسٌ من أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وآله وسلَّمَ يارسولَ اللَّهِ مَن هؤلاءِ الَّذينَ ذَكرَ اللَّهُ إن تولَّينا استُبدِلوا بنا ثمَّ لا يَكونوا أمثالنا قالَ وَكانَ سلمانُ بجنبِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ، *فضربَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فخِذَ سلمانَ وقالَ هذا وأصحابُهُ والَّذي نفسي بيدِهِ لو كانَ الإيمانُ منوطًا بالثُّريَّا لتناولَهُ رجالٌ من فارسَ صحيح الترمذي للألباني. حديث رقم 3261
فلما تولى حكام التطبيع الأعراب عن قضية فلسطين واتخذوها وَرَآءَهم ظِهْرِيًّا ساق الله إليها أهل فارس كما هو مبين بالنصوص والوقائع التي من ضمنها يوم القدس العالمي.
نحن إذن أمام مجمع للقداسة يجمع عطر أرض الإسراء والمعراج ومسك رمضان ونفحات الجمعة الأخيرة منه وهمة من سلكوا ويسلكون طريق سلمان الفارسي لنصل إلى الثريا حيث استرجاع القدس بكل مآذنها وكنائسها وأسوارها من براثن الإحتلال، *ويوم القدس العالمي بداية لتصحيح الإختلال الذي أنتج الإحتلال…
يوم لا صوت يعلو فيه على صوت عروس فلسطين المأسورة : القدس الشريف ومسجدها الأقصى وكنيسة قيامتها…
يا قدسُ.. يا مدينتي
يا قدسُ.. يا حبيبتي
غداً.. غداً.. سيزهر الليمون
وتفرحُ السنابلُ الخضراءُ والزيتون وتضحكُ العيون..
وترجعُ الحمائمُ المهاجرة..
إلى السقوفِ الطاهرة
ويرجعُ الأطفالُ يلعبون
ويلتقي الآباءُ والبنون
على رباك الزاهرة..
يا بلدي..
يا بلد السلام والزيتون.
فهلموا هلموا جميعا إلى يوم القدس العالمي، فهو يوم من أعظم أيام عزكم وشرفكم وكرامتكم ورجولتكم ونخوتكم وعروبتكم مسلمين ومسيحيين ومن كل الديانات والأطياف والمشارب والطبقات والفئات….
” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ” الأنفال24